تنبيهات على أعمال مبتدعة تحصل في مجالس الصوفية وأذكار وأحوال محدثات
الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإنّ الصوفية لهم عجائب ومنكرات في حِلَقهم ومجالسهم، أنكرها عليهم أهل العلم، فمن ذلك:
الذكر الجماعي المكرر بالاسم المفرد (الله، الله..) أو بالضمير (هو، هو...):
مع رفع الصوت، والنحيب، والتمايل يمنة تارة، ويسرة تارة، وللأمام، والخلف.
وربما أضافوا إلى ذلك الرقص، والاهتزاز، والتواجد، والعويل، والتصفيق للرجال،... إلى غير ذلك مما هو عندهم، وقرَّره العلماء عليهم ([1]).
قال الشيخ إحسان إلهي ظهير ([2]): ومن بدعهم ما يسمونه سَماعا، وهو سماع الأناشيد، وأبيات غزلية فيها ذكر: الهجر والوصل، والقرب والبعد، والعذاب والملامة، والعذل واللوم، والحب والعشق، والقدود والخدود، والحسن والجمال، ... مع الآلات وبدونها، مكاء وتصدية، دون سماع القرآن، وأحاديث سيد الأنام.
ثم استطرد في النقل عنهم بما يؤكد ذلك، والرد عليهم.
وقال الشاطبي F([3]): وقع السؤال عن قوم يتسمّون بالفقراء، يزعُمون أنهم سلكُوا طريق الصوفية، فيجتمعون في بعض الليالي ويأخذون في الذكر الجهري، على صوت واحد، ثم في الغناء والرقص، إلى آخر الليل!، ويحضر معهم بعض المتَّسمين بالفقهاء، هل هذا العمل صحيح في الشرع أم لا؟
قال: فوقع الجواب بأنّ ذلك كله من البدع المحدثات المخالفة طريقة رسول الله ﷺ ، وطريقة أصحابه، والتابعين لهم بإحسان، فنفع بذلك من شاء من خلقه.
وقال([4]): الجهر والاجتماع في الذكر، المشهور بين متصوفة الزمان، بينه وبين الذكر المشروع بونًا بعيدًا، إذ هما كالمتضادين.
ثمَّ ذكر قصة ابن مسعود رضي الله عنه وهي: ما أخرجه الدارمي ([5]) عن عمرو بن يحيى قال سمعت أبى يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرَجَ إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرًا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرًا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيتُ في المسجد قوما حِلَقا جلوسًا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك، أو انتظار أمرك.
قال: أفلا أمرتهم أن يعدُّوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حَلقة من تلك الحِلَق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نعدّ به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلَكَتكُم، هؤلاء صحابة نبيكم ﷺ متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي في يده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحي باب ضلالة.
قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله ﷺ حدثنا: «أن قوما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم»، وايم الله ما أدرى لعل أكثرهم منكم، ثمّ تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج).
ثم استطرد رحمه الله فقال -وهو يرد على من استدل بأدلة فضل حِلَق الذِّكْر، على الحِلَق التي فيها بدع، كالذكر على صوت واحد مجتمعين ونحو ذلك-:
«وما ذكره في مجالس الذكر؛ صحيح إذا كان على حسب ما اجتمع عليه السلف الصالح، فإنهم كانوا يجتمعون لتدارس القرآن فيما بينهم حتى يتعلم بعضهم من بعض ويأخذ بعضهم من بعض، فهو مجلس من مجالس الذكر التي جاء في مثلها من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفت بهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده».
وهو الذي فهمه الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الاجتماع على تلاوة كلام الله، وكذلك الاجتماع على الذكر؛ فإنه اجتماع على ذكر الله، ففي رواية أخرى أنه قال: «لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة...» الحديث المذكور، لا الاجتماع للذكر على صَوت واحد، وإذا اجتمع القوم على التذكير لنعم الله، أو التذاكر في العلم إنْ كانوا علماء أو كان فيهم عالم فجلس إليه متعلِّمون، أو اجتمعوا يُذكِّر بعضُهم بعضًا بالعمل بطاعة الله، والبعد عن معصيته، وما أشبه ذلك مما كان يعمل به رسول الله ﷺ في أصحابه، وعمل به الصحابة والتابعون، فهذه المجالس كلها مجالس ذكر، وهي التي جاء فيها من الأجر ما جاء. كما يحكى عن أبي ليلى أنه سئل عن القصص؟ فقال: أدركت أصحاب محمد ﷺ ويحدّث هذا بما سمع وهذا بما سمع، فأما أن يجلسوا خطيبا فلا.
وكان كالذي نراه معمولًا به في المساجد من اجتماع الطلبة على معلِّم يقرئهم القرآن، أو علما من العلوم الشرعية أو تجتمع إليه العامة فيعلِّمهم أمر دينهم، ويذكرهم بالله، ويبين لهم سنةَ نبيِّهم ليعملوا بها، ويبيّن لهم المحدثات التي هي ضلالة ليحذروا منها ويتجنبوا مواطنها والعمل بها.
فهذه مجالس الذكر على الحقيقة، وهي التي حرمها الله أهلَ البدع من هؤلاء الفقراء الذين زعموا أنهم سلكُوا طريق التصوف، وقلَّ ما تجد منهم من يُحسن قراءة الفاتحة في الصلاة إلا على اللحن، فضلا عن غيرها!! ولا يعرف كيف يتعبَّد، ولا كيف يَستنجي أو يتوضأ، أو يغتسل من الجنابة!!.
وكيف يعلمون ذلك وهم قد حُرِموا مجالس الذِّكر التي تغشاها الرَّحمة، وتنزل فيها السَّكينة، وتحف بها الملائكة.
فبانطماس هذا النور عنهم ضلُّوا، فاقتدوا بجهال أمثالهم، وأخذوا يقرؤون الأحاديث النبوية، والآيات القرآنية، فينزلونها على آرائهم، لا على ما قال أهل العلم فيها! فخرجوا عن الصراط المستقيم إلى أنْ يجتمعوا ويقرأ أحدُهم شيئًا من القرآن يكون حسَن الصوت طيب النغمة جيد التلحين تشبه قراءته الغناء المذموم، ثم يقولون: تعالوا نذكرُ الله!؟ فيرفعون أصواتهم، يُمشُّون ذلك الذكر مداولة، طائفة في جهة، وطائفة في جهة أخرى، على صوت واحد يشبه الغناء، ويزعمون أنّ هذا من مجالس الذكر المندوب! إليها وكذبوا.
فإنه لو كان حقا لكان السلف الصالح أولى بإدراكه وفهمه والعمل به؟ وقد قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].
والمعتدون -في التفسير-: هم الرافعون أصواتهم بالدعاء ([6]).
وعن أبي موسى قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال النبي ﷺ: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ» ([7]) ، وهذا الحديث من تمام تفسير الآية.
ولم يكونوا رضي الله عنهم يكبّرون على صوت واحد، ولكنه نهاهم عن رفع الصوت ليكونوا ممتثلين للآية.
وقد جاء عن السلف أيضًا النهي عن الاجتماع على الذكر والدعاء بالهيئة التي يجتمع عليها هؤلاء المبتدعون، وجاء عنهم النهي عن المساجد المتخذة لذلك، وهي الربط التي يسمونها بالصفة، ذكرَ مِن ذلك: ابنُ وهب، وابنُ وضاح، وغيرُهما ما فيه كفاية لمن وفقه الله.
فالحاصل من هؤلاء أنهم حسَّنوا الظن بأنهم فيما هم عليه مصيبون، وأساءوا الظن بالسلف الصالح، أهل العمل الراجح الصريح، وأهل الدين الصحيح ([8]) .
وقال الإمام القرطبي F ([9]) ـ عند حديث أبي هريرة «فإذا وجدوا مجلس ذكر -أي الملائكة-...» وهو يتوجع من أهل زمانه من الصوفية:
يعني مجالس العلم والتذكير، التي يُذكر فيها كلام الله تعالى، وسنة رسوله ﷺ، وأخبار السلف الصالحين، وكلام الأئمة الزهاد المتقدمين، المبرأة عن التصنع والبدع، المنزهة عن المقاصد الرديَّة والطمع.
وهذه المجالس؛ قد انعدمت في هذا الزمان!، وعوِّض عنها الكذب والبدع، ومزامير الشيطان ، نعوذ بالله من حضورها، ونسأل الله العافية من شرورها
* من أجوبة العلماء في اللجنة الدائمة، برئاسة الشيخ: ابن باز رحمه الله.
السؤال: هل طريقة الذكر الموجودة بين أهل الطرق الصوفية الآن صحيحة أم خاطئة، وهل وردت في السنة وإن كانت واردة فما الأحاديث الدالة على ذلك؛ لأنها تثير مشاكل كثيرة بين الناس؟
الجواب: أذكار أهل الطرق الصوفية جماعة بصوت واحد بالترنح والتمايل من البدع المحدثة، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه البخاري ومسلم، وقال عليه السلام: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» رواه الإمام مسلم في صحيحه، ويكفي المسلم التأسي بالنبي ﷺ من أقواله وأفعاله.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.([10]).
السؤال: أنا بحمد الله أميل إلى الاقتداء بالرسول ﷺ وبالسلف الصالح، غير أني قد جلست في بعض الجلسات والحضرات الصوفية من باب العلم بالشيء وهالني أن رأيتهم يقومون بحركات ورقصات لا تتفق في أسوأ الأوضاع مع وقار الإنسان وحيائه وهيبته فهل أأثم بالجلوس معهم؟
الجواب: المعروف عن جميع طوائف الصوفية وفرقهم أنهم يذكرون الله أذكارًا بدعية، فيرقصون ويترنحون ويتمايلون يمنة ويسرة وأعلى وأسفل، ويسمون الله في ذكرهم بغير ما سمى به نفسه وبغير ما سماه رسوله ﷺ؛ مثل: هو هو هو، ومثل: آه آه، ويذكرونه بالاسم مثل: الله الله الله، وبما يسمونه: الذكر القلبي، كما يفعله النقشبندية، ويذكرونه بما ذكر جماعة بصوت واحد، ويستغيثون في أذكارهم بالأموات والغائبين، فيقولون: مدد يا أبا العباس، مدد يا دسوقي، وذلك شرك يخرج من ملة الإسلام، ويعتقدون في مشايخهم أن لديهم علمًا لدنيًا يطلعون به على الغيبيات، وأن لهم أسرارًا يتصرفون بها وراء الأسباب العادية، وننصحك بقراءة كتاب [هذه هي الصوفية] للشيخ عبد الرحمن الوكيل لتعرف الكثير من بدعهم، وجالس من تعرف عنه أنه يتمسك بالكتاب والسنة وينكر البدعة.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.([11]).
السؤال: ذكر الله بصفة جماعية بلسان واحد على حسب ما يفعله أصحاب الطرق، ويختم بالحضرة أي المسماة عندنا في المغرب بالعمارة، مع تلاوة كتاب الله تعالى بصفة جماعية بلسان واحد في المساجد وفي البيوت وفي الحفلات؟.
الجواب: ذكر الله بصفة جماعية وختمه بالحضرة وتلاوة كتاب الله بلسان واحد في المساجد وفي البيوت والحفلات والمآتم لا نعلم له أصلًا شرعيًا يعتمد عليه لإثبات مشروعيته على هذه الصفة، والصحابة رضي الله عنهم هم أولى الناس باتباع الشرع ولم يعرف عنهم ذلك وكذلك بقية القرون المفضلة والخير في اتباع هدي رسول الله ﷺ، وقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»، وقال ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
وبما أنه لم يثبت في ذلك سنة عن رسول الله ﷺ ، ولم يعمله أحد من الصحابة فيما نعلم فيكون بدعة يتناوله الدليل السابق فهو مردود على صاحبه، وكذا أخذ الأجرة على مثل هذا العمل.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.([12]).
([1]) انظر «الإبداع» لعلي محفوظ، (292 ـ 301) ط: الرشد، و«هذه هي الصوفية» (188 ـ 200) ط: دار الإيمان، لعبد الرحمن الوكيل.